Vers un projet de développement équilibré et durable
Ci-dessous le texte de mon intervention lors de la conférence organisée par Intizarat al-Chabab, au Palais de l'UNESCO à Beyrouth, le 14 avril 2007. Les autres conférenciers sur le panel étaient Georges Corm, ancien ministre des Finances du Liban, Antoine Salamé, journaliste sur la chaîne Al-Arabiya et Houssam Zaytouni, jeune étudiant communiste.
This is the text of my lecture at the conference organised by Intizarat al-Chabab, at the UNESCO Palace in Beirut, on April-14, 2007. The other lecturers were Georges Corm, ex-Finance minister of Lebanon, Antoine Salamé, journalist from Al-Arabiya TV and Houssam Zaytouni, a young communist student.
This is the text of my lecture at the conference organised by Intizarat al-Chabab, at the UNESCO Palace in Beirut, on April-14, 2007. The other lecturers were Georges Corm, ex-Finance minister of Lebanon, Antoine Salamé, journalist from Al-Arabiya TV and Houssam Zaytouni, a young communist student.
في سبيل مشروع تنموي، متوازن ومستدام
أيمن مهنّا – باحث في شؤون التنمية
ندوة "انتظارات الشباب" – قصر الأونسكو، بيروت – السبت في 14 نيسان 2007
هذه المداخلة تستند أوّلاً إلى المحاضرة التي ألقاها الدكتور أنطوان حدّاد في أحد اللقاءات التحضيريّة ل"انتظارات الشباب" بتاريخ 22 شباط 2007 والتي تستند بدورها إلى جهد جماعي لمجموعات بحثيّة وسياسيّة في حركة التجدّد الديموقراطي وفي أطرٍ أخرى. كما تستند إلى خلاصات استقيتها من تحصيلي الأكاديمي في باريس والعمل في إطار الحركات الشبابيّة اللبنانيّة.
إنّ عمق المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها لبنان وتراكمَها وتنوّعَها يحتّم على اللبنانيين العمل بجدّية على صوغ عقدٍ جديدٍ فيما بينهم. إنّ النقاش العام الذي يفترض به أن يفضي الى هذا العقد الجديد يجب أن يتمحور حول:
1- استيعاب خلاصات التجربة الاقتصادية اللبنانية بنجاحاتها وإخفاقاتها؛
2- الالتزام ببرنامج لوقف الانزلاق الخطير الحالي وتنقية المالية العامة واحتواء الدين العام؛
3- إشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني بوضع رؤية تنموية متكاملة لبناء اقتصادٍ ومجتمعٍ حديثين، منتجين، وعادلين؛
4- التوازن والتوازي والتلاصق بين الجانب الاقتصادي الاجتماعي والاصلاحات السياسية.
1 – استيعاب دروس الماضي
تبنّى لبنان المستقل خيار اقتصاد السوق والانفتاح على الخارج فحقّق آنذاك تطوّرًا اقتصاديًا لافتًا. ولكن ضعف الدور التنظيمي للدولة أدّى إلى اختلالات اجتماعية لعبت دورًا في التمهيد للحرب. وشهدت فترة الحرب تغييراتٍ هائلة ببنية الاقتصاد الدولي والإقليمي، لم يستطع لبنان مواكبتها. فكان عليه في نهاية الحرب أن يواجه تحدّيين اثنين هما إعادة الاعمار وإعادة التكيّف.
عوض التصدّي لهذا التحدّي المزدوج، أعيد بناء مشروعٍ مشابه بشكلٍ كبير للذي كان قائمًا وانحصر الاهتمام الايجابي بمهمّتين فقط: تثبيت النقد وتأهيل البنى التحتيّة. أمّا نيّة استعادة الدور المفقود فاصطدمت بتخطيطٍ ضعيفٍ واستعين بتقديرات فائقة التفاؤل حيال العوامل الخارجيّة. إلاّ أنّ الخطأ الأكبر كان وهم قدرة التنمية على التكيّف مع هيمنة سورية على القرار اللبناني، رسّخها زعماء في كل المناطق يسهرون على استمراريّتها – واستمراريّتهم عبرها. الترسيخ والاستمراريّة بحاجة إلى قدرات ماليّة، خدماتيّة وتوظيفيّة. فتضخَّمَ الفساد وحجمُ القطاع العام على حساب الخزينة وفكرة الدولة، التي زرعت بالأزلام وبألغامٍ اقتصاديّة تهدّد أي نيّة بالتحرّر من الوصاية. باختصار، إنّ تضافر الوصاية السوريّة مع السياسات الاقتصاديّة لما بعد الحرب، فضلاً عن التخلّف عن اللحاق بتطوّرات الاقتصاد العالمي، عوامل أدّت إلى استفحال الأزمة الماليّة والاجتماعيّة.
2 – وقف الانزلاق الراهن وكسر دوّامة الدين والعجز
إنّ الخروج من دوّامة الأزمة الماليّة شرطٌ ضروري للتحرّر من القيود المكبّلة للاقتصاد ولتمكين الدولة من تفعيل دورها الرعائي والاجتماعي. وهذا يتطلّب رزمة متكاملة من السياسات المتمحورة حول خمسة عناوين:
1- إحداث فائض أوّلي متكرّر ومتصاعد؛
2- إقرار برنامج لإدارة الدين العام؛
3- إعادة هيكلة الإدارات العامة؛
4- خصخصة بعض المؤسّسات؛
5- إصلاح النظام الضريبي.
إنّ المساعدة الخارجيّة ليست شرطًا لتنفيذ العنوانين الأول والثاني، بل انّ الالتزام بهما هو الذي يؤمّن تحقيق النتائج المرجوة من المساعدة الخارجيّة.
والإصلاح الحقيقي في الإدارات العامة لا يتأمّن إلاّ إذا ترافق مع انتقالٍ في المفاهيم، من مفهوم جردة الحساب (le bilan) إلى مفهوم التقييم (l’évaluation)، والذي يرتكز على المعايير الآتية:
1- ملاءمة وظيفة هذه الإدارة مع أهداف عملها؛
2- ملاءمة نتائج أعمالها مع الأهداف المرجوّة؛
3- ملاءمة نتائج أعمالها مع الإمكانات والموارد التي استخدمتها؛
4- قدرتها الذاتيّة على الاستمراريّة؛
5- تكاملها مع سائر الإدارات.
أمّا القرار بخصخصة بعض المرافق فيجب أن يخضع أيضًا لهذه الذهنيّة، عبر اعتماد الآليّات والضوابط التي تؤمّن المقدار الأكبر من الملاءمة، الفعاليّة، الانتاجيّة، الاستمراريّة، النوعيّة والتنافسيّة، المناسبة للطابع الحياتي للخدمات العامة. بناءً على ذلك، يتخطّى قرار الخصخصة بعده المالي الصرف – دون التقليل من أهمية هذا البعد في المساهمة بإطفاء أصول الدين.
الإصلاح الضريبي شرطٌ آخر للعبور نحو المشروع التنموي المتوازن والمستدام. تحدّي هذا الإصلاح هو التوفيق بين العدالة الاجتماعيّة وضرورة تحفيز النمو والانتاج. ومن مقوّماته: تقليص إمكانيّة التهرّب الضريبي؛ التكليف على قاعدة الدخل المجمّع؛ تصحيح تدريجي للخلل بين الضرائب المباشرة والضرائب غير المباشرة؛ إعادة النظر بهيكليّة الضرائب على الشركات بحيث يتم تخفيف الأعباء على الانتاج وتكليف بعض مواضع الدخل الريعي.
3- إشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني بالرؤية التنمويّة الجديدة
إنّ إشراك القطاع الخاص بوضع السياسة التنمويّة يؤمّن الاستفادة من الخبرات المتراكمة لديه ومن قدراته في البرمجة والإنجاز، عبر ذهنيّة "رابح-رابح" تتمثّل بحوار مستمر مع الهيئات الاقتصاديّة والعمل على تحسينٍ متواصل للمناخ الاستثماري، الضريبي والتشريعي والقضائي. في هذا الإطار، يكتسب تحديث أطر التمويل المصرفي أهمّيةً عليا، بهدف دعم إنشاء مؤسّسات صغيرة أو متوسّطة الحجم، ذات قيمة مضافة عالية، عبر تسهيل الحصول على قروضٍ مدعومة تكون ضماناتها الجدوى الاقتصاديّة.
وإذ نتكلّم في ندوة تنظّمها "انتظارات الشباب" نشير إلى الدور الذي يجب أن يلعبه المجتمع المدني والذي يشهد اليوم ديناميّة غير مسبوقة، تسعى لتمكين المواطن وتقوية أطر الرقابة والمحاسبة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، من المفيد ذكر بعض المشاريع، كإنشاء منتديات مدنيّة في القرى للتفاعل مع الهيئات المنتخبة حول شؤون إنمائيّة، تصدير منتوجات زراعيّة عبر أقنية التجارة العادلة أو حملة إشراك المجتمع المدني بصياغة الموازنة العامة...
إلاّ أنّ جميع هذه المشاريع تحتاج إلى وضعها في إطار استراتيجيّة تنمويّة شاملة، تمرّ عبر التشبيك ووضع قاعدة بيانات إحصائيّة للمشاريع الأهليّة وزيادة مهارات العاملين في القطاع والتدريب على البرمجة والإدارة والتقييم والاستفادة من وجود عدد لا بأس به من الجهات الدوليّة المانحة.
4 – توازي الإصلاحات وكسر الحواجز الوهميّة بين الجانبين الاقتصادي والاجتماعي
أيّة سياسة اقتصاديّة تتجاهل البعد الاجتماعي قد تساهم في تفاقم الاختلالات المجتمعيّة كما أنّ أيّة تقديمات اجتماعيّة لا يرافقها تحفيز للاقتصاد تتحوّل جرعات ديماغوجيّة شعبويّة لا قدرة مستدامة للدولة أن تؤمّنها. لذا، المشروع التنموي للبنان الحديث هو مشروع يؤمن بتكامل متوازن للجانبين الاقتصادي والاجتماعي. فيما يلي خطوط عريضة تجسّد التوازن والتوازي المطلوبين:
1- التفاعل الإيجابي مع العولمة، من ضمن منظّمة التجارة العالميّة والاتّفاقات التجاريّة الإقليميّة، بالتوازي مع استراتيجيّات قطاعيّة ترفع الانتاجيّة والقدرة التنافسيّة اللبنانيّة ومع إنشاء شبكات أمان لامتصاص الصدمات والتخفيف من الكلفة الاجتماعيّة التي قد تنتج عن المواجهة مع المنافسة العالميّة. يحصل ذلك عبر سياسة جديدة لأسواق العمل تعتمد على التدريب المتواصل لليد العاملة للتكيّف والمرونة في التعامل مع المتغيّرات.
2- التقييم المستمر للبرامج التربويّة الجديدة وجعلها أكثر ملاءمةً للحاجات وللتطوّرات بالتوازي مع إعادة هيكلة وزارة التربية وتأمين انتشار متوازن للأساتذة بين المناطق.
3- مع الاعتراف بضرورة تنويع بنية الاقتصاد اللبناني، لسنا ممّن يؤمنون بإعطاء أولويّة مطلقة وجامدة للقطاعين الزراعي والصناعي، عبر دعمٍ مكلف، ريعي وقليل الفعّاليّة. ما ينبغي الاعتماد عليه في الزراعة والصناعة والخدمات هو المكوّن المعرفي. وهذا يتطلّب عمل مشترك بين القطاعات المهنيّة المعنيّة والباحثين والطلاّب لانتقاء الميادين التي ستشكّل أعمدة اقتصاد المعرفة في لبنان.
4- الليبراليّة في نظرنا ليست مناهضة للتنمية. بل على العكس. الليبراليّة بمفهومها الإنساني، التي تفتح المجالات للمبادرات وللابتكار، هي الليبراليّة التي تأتي بالتنمية. ليبراليّتنا تصالح الدولة مع السوق وتحارب الاحتكارات والجيوب المافيوّية والزبائنيّة في الاقتصاد، القائمة على الحمايات والامتيازات.
5- وأخيرًا، نذكر العنصر البيئي – وأهمّيّتُه تضاهي الجانبين الاقتصادي والاجتماعي - لا لأنّ الموضوع "على الموضة" في المنتديات الأكاديميّة، بل لأنّنا نعتقد أنّ قطاعات الطاقة المتجدّدة والزراعة البيولوجيّة والثروة المائيّة النظيفة قد تكون من أهم الميادين التي يمكن للبنان أن يبني ميّزاتٍ تفاضليّة قوّية فيها، فقدها في القطاعات الاقتصاديّة الكلاسيكيّة.
في الختام، يبقى عامل الثقة والقدرة على التخطيط العنصرين الأساسيّين لوضع أيّ مشروع تنموي مستدام. لذا، يجدر بنا التفكير مليًّا بخياراتنا السياسيّة، الخارجيّة والعسكريّة والنظر بمدى ملاءمتها مع طموحاتنا التنمويّة. نحن نواجه خطر الازدواجيّة بين منطق الدولة ومنطق الثورة الدائمة؛ ازدواجيّة أثبتت فشلها بنظرنا وإن، في بعض الأحيان وفي بعض الدول، حصلت بعض النتائج التنمويّة الرقميّة في ظلّها.
إلاّ أنّنا نؤمن أنّ التنمية بلا حرّية، بلا تحرّر، بلا مواطنيّة وبلا تنمية فردية هي عملّية اصطناعيّة أفقها مسدود. والتحرّر والمواطنيّة والتنمية الفردية أهداف تتحقّق عبر إصلاحاتٍ سياسية يجب أن ترافق الإصلاحات الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي ذكرناها. فمجموعة الاصلاحات مترابطة عضويّا وبعضها يمدّ البعض الآخر بمقوّمات الاستمراريّة:
1- قانون انتخاب عصري يحارب الاحتكارات الطائفيّة، التي تحتكر الخدمات؛
2- لامركزيّة إداريّة تفتح المجال أمام مشاريع محليّة مرتبطة مباشرة بحاجات المواطنين؛
3- قانون أحزاب ديموقراطي ينصّ على رقابةٍ على تمويل الأحزاب وانفاقها للمال.
وإن كان تقصير الدولة في لعب دورها التنموي خطأًا كبيرًا، فالمساهمة بإضعاف منطق الدولة ومن ثمّ التباكي على عدم وجودها خطيئة مميتة. وشكرًا.
أيمن مهنّا – باحث في شؤون التنمية
ندوة "انتظارات الشباب" – قصر الأونسكو، بيروت – السبت في 14 نيسان 2007
هذه المداخلة تستند أوّلاً إلى المحاضرة التي ألقاها الدكتور أنطوان حدّاد في أحد اللقاءات التحضيريّة ل"انتظارات الشباب" بتاريخ 22 شباط 2007 والتي تستند بدورها إلى جهد جماعي لمجموعات بحثيّة وسياسيّة في حركة التجدّد الديموقراطي وفي أطرٍ أخرى. كما تستند إلى خلاصات استقيتها من تحصيلي الأكاديمي في باريس والعمل في إطار الحركات الشبابيّة اللبنانيّة.
إنّ عمق المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها لبنان وتراكمَها وتنوّعَها يحتّم على اللبنانيين العمل بجدّية على صوغ عقدٍ جديدٍ فيما بينهم. إنّ النقاش العام الذي يفترض به أن يفضي الى هذا العقد الجديد يجب أن يتمحور حول:
1- استيعاب خلاصات التجربة الاقتصادية اللبنانية بنجاحاتها وإخفاقاتها؛
2- الالتزام ببرنامج لوقف الانزلاق الخطير الحالي وتنقية المالية العامة واحتواء الدين العام؛
3- إشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني بوضع رؤية تنموية متكاملة لبناء اقتصادٍ ومجتمعٍ حديثين، منتجين، وعادلين؛
4- التوازن والتوازي والتلاصق بين الجانب الاقتصادي الاجتماعي والاصلاحات السياسية.
1 – استيعاب دروس الماضي
تبنّى لبنان المستقل خيار اقتصاد السوق والانفتاح على الخارج فحقّق آنذاك تطوّرًا اقتصاديًا لافتًا. ولكن ضعف الدور التنظيمي للدولة أدّى إلى اختلالات اجتماعية لعبت دورًا في التمهيد للحرب. وشهدت فترة الحرب تغييراتٍ هائلة ببنية الاقتصاد الدولي والإقليمي، لم يستطع لبنان مواكبتها. فكان عليه في نهاية الحرب أن يواجه تحدّيين اثنين هما إعادة الاعمار وإعادة التكيّف.
عوض التصدّي لهذا التحدّي المزدوج، أعيد بناء مشروعٍ مشابه بشكلٍ كبير للذي كان قائمًا وانحصر الاهتمام الايجابي بمهمّتين فقط: تثبيت النقد وتأهيل البنى التحتيّة. أمّا نيّة استعادة الدور المفقود فاصطدمت بتخطيطٍ ضعيفٍ واستعين بتقديرات فائقة التفاؤل حيال العوامل الخارجيّة. إلاّ أنّ الخطأ الأكبر كان وهم قدرة التنمية على التكيّف مع هيمنة سورية على القرار اللبناني، رسّخها زعماء في كل المناطق يسهرون على استمراريّتها – واستمراريّتهم عبرها. الترسيخ والاستمراريّة بحاجة إلى قدرات ماليّة، خدماتيّة وتوظيفيّة. فتضخَّمَ الفساد وحجمُ القطاع العام على حساب الخزينة وفكرة الدولة، التي زرعت بالأزلام وبألغامٍ اقتصاديّة تهدّد أي نيّة بالتحرّر من الوصاية. باختصار، إنّ تضافر الوصاية السوريّة مع السياسات الاقتصاديّة لما بعد الحرب، فضلاً عن التخلّف عن اللحاق بتطوّرات الاقتصاد العالمي، عوامل أدّت إلى استفحال الأزمة الماليّة والاجتماعيّة.
2 – وقف الانزلاق الراهن وكسر دوّامة الدين والعجز
إنّ الخروج من دوّامة الأزمة الماليّة شرطٌ ضروري للتحرّر من القيود المكبّلة للاقتصاد ولتمكين الدولة من تفعيل دورها الرعائي والاجتماعي. وهذا يتطلّب رزمة متكاملة من السياسات المتمحورة حول خمسة عناوين:
1- إحداث فائض أوّلي متكرّر ومتصاعد؛
2- إقرار برنامج لإدارة الدين العام؛
3- إعادة هيكلة الإدارات العامة؛
4- خصخصة بعض المؤسّسات؛
5- إصلاح النظام الضريبي.
إنّ المساعدة الخارجيّة ليست شرطًا لتنفيذ العنوانين الأول والثاني، بل انّ الالتزام بهما هو الذي يؤمّن تحقيق النتائج المرجوة من المساعدة الخارجيّة.
والإصلاح الحقيقي في الإدارات العامة لا يتأمّن إلاّ إذا ترافق مع انتقالٍ في المفاهيم، من مفهوم جردة الحساب (le bilan) إلى مفهوم التقييم (l’évaluation)، والذي يرتكز على المعايير الآتية:
1- ملاءمة وظيفة هذه الإدارة مع أهداف عملها؛
2- ملاءمة نتائج أعمالها مع الأهداف المرجوّة؛
3- ملاءمة نتائج أعمالها مع الإمكانات والموارد التي استخدمتها؛
4- قدرتها الذاتيّة على الاستمراريّة؛
5- تكاملها مع سائر الإدارات.
أمّا القرار بخصخصة بعض المرافق فيجب أن يخضع أيضًا لهذه الذهنيّة، عبر اعتماد الآليّات والضوابط التي تؤمّن المقدار الأكبر من الملاءمة، الفعاليّة، الانتاجيّة، الاستمراريّة، النوعيّة والتنافسيّة، المناسبة للطابع الحياتي للخدمات العامة. بناءً على ذلك، يتخطّى قرار الخصخصة بعده المالي الصرف – دون التقليل من أهمية هذا البعد في المساهمة بإطفاء أصول الدين.
الإصلاح الضريبي شرطٌ آخر للعبور نحو المشروع التنموي المتوازن والمستدام. تحدّي هذا الإصلاح هو التوفيق بين العدالة الاجتماعيّة وضرورة تحفيز النمو والانتاج. ومن مقوّماته: تقليص إمكانيّة التهرّب الضريبي؛ التكليف على قاعدة الدخل المجمّع؛ تصحيح تدريجي للخلل بين الضرائب المباشرة والضرائب غير المباشرة؛ إعادة النظر بهيكليّة الضرائب على الشركات بحيث يتم تخفيف الأعباء على الانتاج وتكليف بعض مواضع الدخل الريعي.
3- إشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني بالرؤية التنمويّة الجديدة
إنّ إشراك القطاع الخاص بوضع السياسة التنمويّة يؤمّن الاستفادة من الخبرات المتراكمة لديه ومن قدراته في البرمجة والإنجاز، عبر ذهنيّة "رابح-رابح" تتمثّل بحوار مستمر مع الهيئات الاقتصاديّة والعمل على تحسينٍ متواصل للمناخ الاستثماري، الضريبي والتشريعي والقضائي. في هذا الإطار، يكتسب تحديث أطر التمويل المصرفي أهمّيةً عليا، بهدف دعم إنشاء مؤسّسات صغيرة أو متوسّطة الحجم، ذات قيمة مضافة عالية، عبر تسهيل الحصول على قروضٍ مدعومة تكون ضماناتها الجدوى الاقتصاديّة.
وإذ نتكلّم في ندوة تنظّمها "انتظارات الشباب" نشير إلى الدور الذي يجب أن يلعبه المجتمع المدني والذي يشهد اليوم ديناميّة غير مسبوقة، تسعى لتمكين المواطن وتقوية أطر الرقابة والمحاسبة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، من المفيد ذكر بعض المشاريع، كإنشاء منتديات مدنيّة في القرى للتفاعل مع الهيئات المنتخبة حول شؤون إنمائيّة، تصدير منتوجات زراعيّة عبر أقنية التجارة العادلة أو حملة إشراك المجتمع المدني بصياغة الموازنة العامة...
إلاّ أنّ جميع هذه المشاريع تحتاج إلى وضعها في إطار استراتيجيّة تنمويّة شاملة، تمرّ عبر التشبيك ووضع قاعدة بيانات إحصائيّة للمشاريع الأهليّة وزيادة مهارات العاملين في القطاع والتدريب على البرمجة والإدارة والتقييم والاستفادة من وجود عدد لا بأس به من الجهات الدوليّة المانحة.
4 – توازي الإصلاحات وكسر الحواجز الوهميّة بين الجانبين الاقتصادي والاجتماعي
أيّة سياسة اقتصاديّة تتجاهل البعد الاجتماعي قد تساهم في تفاقم الاختلالات المجتمعيّة كما أنّ أيّة تقديمات اجتماعيّة لا يرافقها تحفيز للاقتصاد تتحوّل جرعات ديماغوجيّة شعبويّة لا قدرة مستدامة للدولة أن تؤمّنها. لذا، المشروع التنموي للبنان الحديث هو مشروع يؤمن بتكامل متوازن للجانبين الاقتصادي والاجتماعي. فيما يلي خطوط عريضة تجسّد التوازن والتوازي المطلوبين:
1- التفاعل الإيجابي مع العولمة، من ضمن منظّمة التجارة العالميّة والاتّفاقات التجاريّة الإقليميّة، بالتوازي مع استراتيجيّات قطاعيّة ترفع الانتاجيّة والقدرة التنافسيّة اللبنانيّة ومع إنشاء شبكات أمان لامتصاص الصدمات والتخفيف من الكلفة الاجتماعيّة التي قد تنتج عن المواجهة مع المنافسة العالميّة. يحصل ذلك عبر سياسة جديدة لأسواق العمل تعتمد على التدريب المتواصل لليد العاملة للتكيّف والمرونة في التعامل مع المتغيّرات.
2- التقييم المستمر للبرامج التربويّة الجديدة وجعلها أكثر ملاءمةً للحاجات وللتطوّرات بالتوازي مع إعادة هيكلة وزارة التربية وتأمين انتشار متوازن للأساتذة بين المناطق.
3- مع الاعتراف بضرورة تنويع بنية الاقتصاد اللبناني، لسنا ممّن يؤمنون بإعطاء أولويّة مطلقة وجامدة للقطاعين الزراعي والصناعي، عبر دعمٍ مكلف، ريعي وقليل الفعّاليّة. ما ينبغي الاعتماد عليه في الزراعة والصناعة والخدمات هو المكوّن المعرفي. وهذا يتطلّب عمل مشترك بين القطاعات المهنيّة المعنيّة والباحثين والطلاّب لانتقاء الميادين التي ستشكّل أعمدة اقتصاد المعرفة في لبنان.
4- الليبراليّة في نظرنا ليست مناهضة للتنمية. بل على العكس. الليبراليّة بمفهومها الإنساني، التي تفتح المجالات للمبادرات وللابتكار، هي الليبراليّة التي تأتي بالتنمية. ليبراليّتنا تصالح الدولة مع السوق وتحارب الاحتكارات والجيوب المافيوّية والزبائنيّة في الاقتصاد، القائمة على الحمايات والامتيازات.
5- وأخيرًا، نذكر العنصر البيئي – وأهمّيّتُه تضاهي الجانبين الاقتصادي والاجتماعي - لا لأنّ الموضوع "على الموضة" في المنتديات الأكاديميّة، بل لأنّنا نعتقد أنّ قطاعات الطاقة المتجدّدة والزراعة البيولوجيّة والثروة المائيّة النظيفة قد تكون من أهم الميادين التي يمكن للبنان أن يبني ميّزاتٍ تفاضليّة قوّية فيها، فقدها في القطاعات الاقتصاديّة الكلاسيكيّة.
في الختام، يبقى عامل الثقة والقدرة على التخطيط العنصرين الأساسيّين لوضع أيّ مشروع تنموي مستدام. لذا، يجدر بنا التفكير مليًّا بخياراتنا السياسيّة، الخارجيّة والعسكريّة والنظر بمدى ملاءمتها مع طموحاتنا التنمويّة. نحن نواجه خطر الازدواجيّة بين منطق الدولة ومنطق الثورة الدائمة؛ ازدواجيّة أثبتت فشلها بنظرنا وإن، في بعض الأحيان وفي بعض الدول، حصلت بعض النتائج التنمويّة الرقميّة في ظلّها.
إلاّ أنّنا نؤمن أنّ التنمية بلا حرّية، بلا تحرّر، بلا مواطنيّة وبلا تنمية فردية هي عملّية اصطناعيّة أفقها مسدود. والتحرّر والمواطنيّة والتنمية الفردية أهداف تتحقّق عبر إصلاحاتٍ سياسية يجب أن ترافق الإصلاحات الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي ذكرناها. فمجموعة الاصلاحات مترابطة عضويّا وبعضها يمدّ البعض الآخر بمقوّمات الاستمراريّة:
1- قانون انتخاب عصري يحارب الاحتكارات الطائفيّة، التي تحتكر الخدمات؛
2- لامركزيّة إداريّة تفتح المجال أمام مشاريع محليّة مرتبطة مباشرة بحاجات المواطنين؛
3- قانون أحزاب ديموقراطي ينصّ على رقابةٍ على تمويل الأحزاب وانفاقها للمال.
وإن كان تقصير الدولة في لعب دورها التنموي خطأًا كبيرًا، فالمساهمة بإضعاف منطق الدولة ومن ثمّ التباكي على عدم وجودها خطيئة مميتة. وشكرًا.